أنشطة وفعاليات

المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان تنضم محاضرة بعنوان: "ضمانات المحاكمة العادلة"

07 ديسمبر 2013

في إطار نشر وتعميم ثقافة حقوق الإنسان بالمملكة، دعت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان إلى محاضرة يوم الـ7 من هذا الشهر بعنوان "ضمانات المحاكمة العادلة" تحدث فيها الدكتور بطاهر مختار بو جلال الخبير الحقوقي وأستاذ القانون الدولي المحاضر بجامعة ليون الفرنسية، وتطرق فيها إلى المنظومة الدولية لحقوق الإنسان والآليات التي تعمل بها في مراقبتها للدول وتقييمها للأوضاع الحقوقية عامة.

وقد بدأت الفعالية بكلمة ترحيبية للأستاذ عبد الله الدرازي نائب رئيس المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، أكد فيها أن المحاضرة تأتي ضمن سلسلة البرامج التثقيفية التي نظمتها المؤسسة خلال الأشهر القليلة الماضية، وذلك ضمن فعالياتها المتنوعة للفترة من 2013 وحتى 2016، واستهدفت نشر مفاهيم وثقافة حقوق الإنسان وتعلم قيمها التي باتت معيارا لرقي الدول ونهضة الشعوب، مشيرا إلى أن موضوع ضمانات المحاكمة العادلة من الموضوعات الحقوقية المهمة، وأن هناك حاجة اليوم لدراسة هذا الموضوع ومعرفة ماهية هذه الضمانات قبل وأثناء وبعد المحاكمة.

وقال الدرازي أن هناك العديد من النصوص والمبادئ القانونية الدولية، وفي البحرين أيضا، التي تنص على احترام حق الإنسان في محاكمة عادلة، مشيرا في هذا الصدد إلى أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادته الـ10 والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية في مادته الـ14، تلقيان الضوء على ضرورة أن تتسم أية محاكمة بالحيادية والإنصاف، مؤكدا أن المملكة واحدة من الدول التي ينبني الدستور والقوانين المعمول بها على مبادئ المحاكمة العادلة، وذلك في المادة 20 الفقرتين الأولى والثانية، وأيضا في مواد مختلفة من قانوني العقوبات والإجراءات.

وأكد الدكتور بطاهر بو جلال الخبير الحقوقي في بداية محاضرته أنه لا يمكن إلقاء الضوء على ضمانات المحاكمة العادلة في النظم القانونية الدولية قبل التعرف أولا على التطور التاريخي لبعض المفاهيم الحقوقية والدواعي التي اضطرت الدول لإقرار مجموعة من المبادئ التي تضمن عدالة أية محاكمة، مشيرا إلى أن ضحايا الحربين العالميتين الأولى والثانية أسفرت عن وقوع أكثر من 60 مليون قتيل، الأمر الذي دفع المجتمع الدولي ومنذ العام 1919 إلى بناء عدد من المنظمات تتولى صياغة المنظومة القانونية التي تحمي حقوق الإنسان بشكل عام.

وأكد أنه من بين هذه المنظمات عصبة الأمم التي أخفقت في القيام بدورها لأن نظامها الأساسي لم يتضمن الكثير من المبادئ الحقوقية، بل ولم يقر حق الشعوب في تقرير مصيرها، لكن ميثاق الأمم المتحدة عام 1945 تفادى الثغرة التي تضمنها نظام عصبة الأمم، ونص ميثاقها لأول مرة على ضرورة احترام حقوق الإنسان وكرامته، بل وربط بين ذلك وبين القدرة على حفظ السلم والأمن الدوليين، الأمر الذي أدى عام 1948 إلى تأسيس أول لجنة دولية تُعنى بإعداد أول وثيقة حقوقية دولية، وهي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

 

 وذكر بو جلال أنه رغم وجود العديد من المبادئ القانونية الدولية ونصوص المعاهدات التي تنص صراحة على ضرورة توفير الضمانات الكافية للمحاكمة العادلة، لكن هناك قيودا وظروفا معينة تمنع من التطبيق والالتزام الكامل بهذه الضمانات، مؤكدا أنه من الغريب أن هذه القيود لا تقتصر على الدول النامية فحسب، وإنما تشمل الدول المتقدمة ديمقراطيا أيضا، ومن بين هذه القيود الإرادة السياسية الدولية، خاصة في مجلس الأمن الذي يعمل وفق ذراعين أحدهما خاص بالفصل السادس والآخر خاص بالفصل السابع، وظروف الحرب والسلم التي تمر بها الدول، وطبيعة نصوص بعض المواثيق والمعاهدات وموقف الدول منها، وهل قامت بالتوقيع والتصديق عليها أم انضمت لها فقط، ناهيك بالطبع عن تحفظات الدول على بعض موادها

وأضاف أنه من المهم هنا التأكيد على أن إعلان حالة الطوارئ في بعض الدول أثناء الحروب أو الكوارث الطبيعية يمنعها من الالتزام الكامل بالمنظومة القانونية الدولية للحقوق الإنسانية، وذلك لاعتبارات عديدة قد يتعلق بعضها بالأمن القومي، ويتعلق بعضها الآخر بالظروف السياسية السائدة، مشيرا إلى رفض دول كبرى كالولايات المتحدة نفسها الانضمام لبعض الاتفاقيات الحقوقية الدولية كالمحكمة الجنائية.

وتابع قائلا إن هناك عشرة اتفاقات حقوقية دولية أساسية، انضمت البحرين لسبعة منها، مؤكدا على ضرورة فهم الآليات التي تتضمنها هذه الاتفاقيات في عملها وتحركاتها إزاء الدول، خاصة أنها قد تفرض بعض الالتزامات الرقابية، وربما العقابية أيضا عليها، وقال إن ما ينقص هذه الاتفاقات في غالبيتها هو آليات تنفيذها، وإن كان أشار إلى نوعين من الآليات التي تُستخدم لتقييم مدى التزام الدولة ببنود ومواد المعاهدة التي انضمت وصدقت عليها..

وقال إن إحدى هذه الآليات هي الآليات التعاهدية التعاقدية التي تنص عليها صراحة كل اتفاقية أو معاهدة دولية، وتتضمن اللجان التي تدرس تقارير الدول وتقيمها بجانب تقارير المنظمات غير الحكومية، وهناك أيضا المقررون الخاصون الذي يتوزعون حسب بعض المناطق أو حسب القضايا التي تهتم بها الاتفاقية ويمكن أن يطالبوا بمعلومات واستفسارات أو يقوموا بزيارات ميدانية إن لزم الأمر شريطة موافقة الدولة العضو، هذا فضلا عن فرق العمل التي تشكلها لجان بعض الاتفاقيات لدراسة ملفات معينة كالحجز التعسفي والاختفاء القسري وغيرها.

أما فيما يتعلق بالآيات غير التعاهدية التي تقررها بعض الاتفاقات الدولية الرئيسية لتتابع بها أوضاع الدول وتراقب تحركاتها خاصة في المجالات الحقوقية عن كثب، فهي عديدة ومتنوعة، وربما تتجاوز حدود سيادات الدول وإذنها، ومنها الإجراءات السرية للنظر في الشكاوى ضدها، والتي يقررها مجلس حقوق الإنسان بجنيف، وكذلك الإجراءات العلنية كبعثات تقصي الحقائق وإجراءات النظر في شكوى دولة طرف ضد دولة طرف أخرى، وأيضا إجراءات النظر في شكاوى الأفراد ضد حكوماتهم شريطة أن تكون الشكوى معلومة المصدر وتوفرت لها الإجراءات الشكلية اللازمة.

ورأى المحاضر أن هناك عددا كبيرا من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي احتوت على مبادئ وضمانات المحاكمة العادلة، من قبيل الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية واتفاقية القضاء على التمييز ضد المرأة واتفاقية حقوق الطفل واتفاقات جنيف الأربع وبروتوكولاتها والنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية وغيرها، وكذلك الإعلانات الحقوقية الدولية كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومدونة قواعد سلوك الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون ومبادئ استقلال القضاء وبشأن أعضاء النيابة، هذا فضلا عن الاتفاقات الحقوقية الإقليمية.

وأكد أن كل هذه المعاهدات والإعلانات اتفقت على أن هناك ضمانات حقوقية أساسية حتى يمكن أن نطلق وصف العدالة والنزاهة والإنصاف على أية محاكمة، بحيث تشمل كل إجراءات ومراحل التقاضي، منها حقوق ما قبل المحاكمة كالحق في الحرية والاطلاع على المعلومات والحق في الاستعانة بمحام والحق في المثول أمام قاضيه الطبيعي دون إبطاء والحق في الطعن في مشروعية الاحتجاز والحق في مساحة زمنية وتسهيلات كافية لإعداد الدفاع والحق في إنسانية ظروف الاحتجاز وعدم التعرض للتعذيب وغير ذلك من حقوق تضمن للفرد وجهات إنفاذ القانون ذاتها عدم الوقوع في أخطاء أو ممارسات فردية تسبب الانتقاد للدولة وتشوه من سجل منجزاتها.

أما الحقوق أو الضمانات أثناء المحاكمة نفسها فتتعلق، كما أشار المحاضر، بالمساواة أمام القانون والمحاكم وأن تكون المحاكمة أمام محكمة مختصة ومستقلة ونزيهة وافتراض براءة المتهم وعدم الإكراه على الاعتراف بالذنب وعدم تطبيق القوانين بأثر رجعي والمحاكمة دون تأخير وغير ذلك، وأخيرا حقوق ما بعد المحاكمة فتتعلق بالاستئناف والتعويض إن لزم الأمر أو في حالة الإساءة في تطبيق العدالة.

وفي نهاية ورشة العمل وجه الدكتور أحمد الفرحان أمين عام المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان الشكر للمحاضر والمشاركين، مشيرا إلى أن هناك نحو 1200 شخص من مختلف المؤسسات والمستويات قد شاركوا في فعاليات المؤسسة وبرامجها التثقيفية خلال الشهور الستة السابقة، وأن المؤسسة بصدد إعداد برنامج متنوع ومتكامل في موسمها الثقافي الجديد، وأنها قد بدأت الخطوة الأولى في نشر ثقافة حقوق الإنسان على أمل أن تتلوها خطوات كبيرة قادمة حتى تكون ثقافة حقوق الإنسان نمط حياة للجميع.